الخميس، 19 يوليو 2018

BULLETIN CULTUREL PUBLIE A KELIBIA EN MARS 1969 نشرية ثقافية من اصدار اللجنة الثقافية المحلية في قليبية في مارس 1969

مصدرصورالمجلة Sami Melki اشرف الاستاذ والصديق الكبير المرحوم عبد الملك الزمرلي في مارس 1969على اصدار نشرية ثقافية باعتباره رئيسا للجنة الثقافية المحلية انذاك واستاذا بارزا في اللغة والاداب العربية في معهد قليبية وشاركت في النشرية اقلام بارزة مثل الاستاذ حسين فنطر والمرحوم عبد القادر الدردوري والشاعر نورالدين صمود وتعكس هذه النشرية الحركية الثقافية التلقائية والنشيطة التي كانت تتميز بها النخبة المثقفة في قليبية في تلك الفترة رحم الله الاموات منهم وحفظ الله صحة الباقين وتكريما للمرحوم عبد الملك الزمرلي لم اجد ابلغ من هذا التقديم للاستاذ محمود بن الشيخ Mahmoud Ahmed Bencheikh 22 janvier 2015 · Tunis · زاوية من النشاط الثقافي للأستاذ عبد الملك الزمرلي مخطط الترجمة: ـ الفترة: 1968 ـ 1969. ـ الشخصية: عبد الملك الزمرلي. ـ المحيط: البيئة الثقافية و الاجتماعية السياسية بقليبية. ــــــــــــ كان صدى شخصية عبد الملك الزمرلي يصلني، خلال مجرى الأحاديث التي تنطلق في شؤون الثقافة، بين الخلاّن و الزملاء بالمقاهي و المجالس و بالنوادي، أثناء العطل المدرسية الطويلة، و كانت رؤياي له لماما، عند عبوره الشارع الرئيسي بمدينة قليبية. مشهده ماشيا متحدثا، مع رفيق أو رفيقين، محركا يديه، يقف بين الفينة و الفينة، ثم يستأنف مشيته، لا يزال يختال بين عيني و يرتسم أمامي، ويطبع في ذهن من لم يخالطه من أمثالي: ها أنذا عبد الملك الزمرلي لحما و دما، آخذ بحديثي ألباب رفاقي.و يصل خبري لمن يعرفني و لمن لا يعرفني... كان الانطباع الأول عنه: أن في نفس الرجل اعتزازا.. غير خفى.. و قد يكون إحساسا بالتميّز، كان انطباعا أوّليّا؛ لأنه لم يكن من جيلي و لا من حيّي و لا.. و لا... لم يغادر ذاك المشهد نفسي، لسنين غير قصيرة، كلما ورد على مسمعي ذكر الرجل. هل أخطأت ـ عندئذ ـ في انطباعي عنه أم أصبت ؟، لا أدري، فليس من دوري أن أحكم و لكن دوري أن أنقل ما حصل، بدون مواربة، وأحاول قدر الإمكان الدخول في أغوار هذه الشخصية من خلال علاقتي بها و من خلال ما أحاط بتجربتها في الحياة الثقافية المحلية. تمر الأيام و الليالي و تطوى السنون ساعاتها و أيامها و يطرأ لي مع الرجل موعد طويل سنة 1968 ـ 1969. موعد لم يكن مخططا له، فعن طريق الصدف عينت مديرا لدار الثقافة بقليبية، و ثمة كان اللقاء الأول ، لقاء من أجل الثقافة، هاجس مشترك جمعنا، رغبة في النهوض الثقافي، إخراج قليبية من سيطرة ثقافة الشعبة، و جموح لإعادة الروح لسكانها بعد أن جثم النظام على النفوس و العقول، في أيام كانت فيها الثورة الثقافية بالعالم المعاصر في فورة عارمة تتحدى الموروث و تفتح آفاقا جديدة لعالم متغير، في تلك الأيام كان الشعار الرسمي ببلدنا تحقيق " العيش الكريم"، و ليتهم وفَوْا به و بلغوه. نعم، جمعنا، الاهتمام بالثقافة ، غير أني كنت بادئ الأمر متوجسا، أخشى أن تتصادم إرادتان، فنخسر رهان الثقافة، و لعله كان على ارتياب مني أيضا، لكن سرعان ما انتقلنا من مرحلة التواصل "المباشر" إلى التواصل النفسي، بعد أن اكتشفني و اكتشفته، و أسسنا أرضية تلاق مشترك تتمثل في كسر "ثقافة السلطة" و تحرير ثقافة الشعب من ارتهان الحزب الواحد، تلميحا لا تصريحا، إلا أنه بازدياد التمازج اكتشفتُ تآخينا...و تقاربنا. كان الغطاء" الرسمي" لنشاطنا الثقافي: " اللجنة الثقافية"، و هي " خلية ثقافية"، تتركب من أفراد لا ترفضهم السلطة، و تعمل تحت إشرافها، رشحنا لرئاستها الأستاذ عبد الملك، لما امتاز به من إشعاع ثقافي و اجتماعي بالمدينة و بالمعهد الثانوي كأستاذ متميز في الآداب العربية، له تأثير مشهود على تلاميذه وزملائه، بالإضافة إلى أن المعهد كان ـ يومئذ ـ "المصرف الثقافي" للمدينة، يمثل الكتلة الناشئة لاستهلاك و إنتاج المادة الثقافية إلى جانب المدارس الابتدائية، التي كان جميع روادها هم الجيل الذي استهدفناه ـ أساسا ـ في حمل رسالة الثقافة. و حتى تكون الصورة كاملة، و لتعزيز التنشيط الثقافي استمال الأستاذ عبد الملك زميله، الأستاذ عبد القادر الدردوري، الذي جمع حوله عددا من التلاميذ وكتب لهم بعض النصوص المسرحية " التجريبية" لقنها و أخرجها على مسرح دار الثقافة، و أذكر أن إحداها كانت بعنوان" الدم الأخضر"، و من ضمن الممثلين أذكر السياسي خميس قسيلة. و لكي نعطي لكل ذي حق حقه كان يعاضدنا في المرحلة الابتدائية، المربي صلاح الدين الأجنف، يحضر يوميا ليتولى الإشراف على سير ونشاط المكتبة العامة إلى جانب ربط الصلة بالمدارس الابتدائية و استدعاء المربين و التلاميذ للأنشطة سواء على مستوى العروض الأسبوعية لـ " سينما الأطفال"أو على مستوى تنشيط المطالعة و تمثيل بعض النصوص ، مع الأخت حورية العربي أمينة مكتبة الأطفال. أما الأستاذ عبد الملك فقد اهتم بربط الصلة بتلاميذ و أساتذة و إدارة المعهد، كما كان يختار و يستدعي المحاضرين و يشرف على إلقاء المحاضرات و إدارة المناقشات التي تليها، و يساهم فيها، من ذلك تنظيم سلسلة محاضرات في كل من عطلتي الشتاء و الربيع خلال تواجد طلبة التعليم العالي بقليبية، كما كان له الإشراف و اليد الأولى في إنشاء و إصدار أكثر من عدد من مجلة ثقافية محلية تصدر كل ثلاثة أشهر. حب الثقافة و الهوس بها هو الذي جعل عبد الملك يبذل وقته و أحيانا ماله؛ ذلك أن قيمة الحياة ـ عنده ـ تقاس بمقدار حب الإنسان لشعبه، و كل شيء تافه في الحياة بلا هذا الحب، و فقدان الحب ـ عموما ـ يجعل كيان الإنسان لا يختلف عن كيان الآلة. كان حب عبد الملك للثقافة و حبه لوطنه خليطا و مزيجا : من حب أرستقراطي و حب شعبي، حب أرستقراطي لأنه متعلق بالمعاني السامية و المثل العليا، التي هي تعبير عن ذاته التواقة لما هو أعلى، و أما الحب الشعبي فهو حب خدمة الناس و تشريكهم في المعاني الرائعة التي تكنها نفسه. وكانت له شخصية ذات بعدين، فيما أحسب: ـ بعد ذاتي: هو فيه طليق الروح، رفيع النفس، متعلق بالحرية، و معاد للباطل، و مناصر للحق، بعيد عن عقلية قارون، و عن عقلية الحجاج، و أقرب ما يكون إلى عقلية المتنبي و عقلية عنترة و جان جاك روسو من ناحية و رحابة صدر محيي الدين بن العربي من ناحية ، و كلها شخصيات نبيلة تأثر بها، في دراسته لآثارها وأشعارها و مجريات حياتها. ـ و بعد ثان هو بعد شعبي: أو سَمِّه بعدا اجتماعيا، يسّرته له خصلة نادرة عند الناس، إذ آتاه الله موهبة القدرة على جذب الناس و لفت مخاطبيه إليه،إذا حضر بينهم و تحدث، كانت الفكاهة عنده فطرة لا اصطناعا : يستطيع بها أن يصل إلى نفوس سامعيه و يفتحها لآرائه، و يجوس داخلها ليدس ما يريد إبلاغه من أفكار فيتقبلها السامع كبيرا و صغيرا و زميلا و تلميذا بلذة و متعة، تنفعل بها نفسه. و هذا الامتياز لا يعدو أن يكون سوى أحد جوانب ثراء شخصية الرجل، الوفيرة المواهب. و مثل هذه الشخصية ـ عادة ـ تكوّن حولها معجبين و أنصارا كما تتكون إلى جانبهم حساد و أضداد، يقاتلونها بشراسة، يتناجون حولها بالشر، و لا يهنأ لهم بال دون تطويعها و إطفاء شعلتها وبعث اليأس في روحها لاستبعادها وتحييدهاـ خاصةـ إذا وجدت نفسا حساسة كنفس أستاذنا عبد الملك. و من المعلوم أن بعضا مِن الناس لا يرضيهم من يعمل مهما أحسن و أجاد، فهم لا يعملون و لا يتركون غيرهم يعمل، طبع لهم أن يعادوا العاملين، خاصة إذا تولوا شأنا عاما، و الشأن الثقافي جانب من الشأن العام ، عداء أكثره مجاني، بعيد عن الحق و الفضيلة، زاده انتشارا و أججّ ضراوته التغير الفجئي و العاصف في حياة المجتمع التونسي الناشئ عن تجربة التعاضد و انعكاس آثارها على علاقات الناس: فسهلت استعداء بعضهم على بعض بالوشاية، و بالانتهازية، فتململ المجتمع و تضعضع. و كان عبد الملك و من معه باللجنة الثقافية في قلب الرحى من هذا التغير العاصف. امتدت يد السلطة إلى الشأن الثقافي المحلي واعتبرته شأنا من شؤونها،ـ تصريحا و تلميحا ـ: أن يكون الخطاب الثقافي ترديدا لمقولاتها، ولكن استمر شأن اللجنة الثقافية المحلية بقليبية شاذّا عن ذلك،خارجا عن الخطاب المطلوب، والنسق المرغوب، صلبا لا يلين، حتى أصبح مصدر قلق لمن اعتاد المياه الراكدة، أدّى إلى التفكير في إعادة تركيب هيئة اللجنة، و وجد الأعداء و الحساد و الانتهازيون و الوشاة الفرصة مناسبة للسعي بالأذى..و تواعدوا مع السلطة: و" وافق شنُّ طبقة" ليصيبوا الحركة الثقافية في المقتل بإزاحة رؤوسها. إذا كان الشخص الذي يمثل السلطة المحلية "المطلقة" أميّا، رصيده القيل بأنه مقاوم، فلا شك أنه يرتاب في كل عمل ثقافي حقيقي وحرّ، فلا يقدر على استيعابه، و لا تنفتح نفسه إليه و لا يتسع صدره على من يمارسونه. لقد كانت مفاهيمنا و مستوياتنا مختلفة عما كان عند السلطة، فكان لا بد أن تصل فترة عبد الملك في رئاسة اللجنة الثقافية إلى منتهاها بعد أن اجتمعت كل الأسباب لوفاتها؛ ذلك أن السلطة ـ عموما ـ لم تكن في يوم من الأيام صديقة الثقافة. و هكذا دخلت الثقافة و دارها بقليبية في سبات، حزينة تبكي مصيرها و تشكو إلى بارئها من تخلوا عنها. ثم كان لي مع المرحوم فترة أخرى من التواصل بمعهد منزل تميم بين سنوات 1975 ـ 1981. لي معها موعد آخر. رحم الله فقيد قليبية الأستاذ عبد الملك الزمرلي. محمود ابنالشيخ كتبه في 21/01/2015

















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق